جارى (فؤاد) رجل فى منتصف الخمسينات من العمر عرفته مؤخراً بعد أن قمت بالسكن فى هذا الحى الأمدرمانى العريق .. وهو رجل ودود رقيق متدين ومهذب ومن البيت للشغل ومن الشغل للبيت لولا أننى لاحظت عليه أنه كثير المجاملات خاصة فى مسألة (العزاء وبيوت البكاء) ففى كل صباح يقوم بفتح (الراديو) على نشرة السادسة صباحاً لسماع (الوفيات) وأصبح من العادى جداً أن إستمع إلى صوته المشوب بالحزن الطاغى وهو يقول: - لا حول ولا قوة إلا بالله .. (إنا لله وإنا إليه راجعون!) فتسأله زوجته (محاسن) من داخل المطبخ وهى تعد (الشاى) : - المات منو؟ فيرد عليها والعبرة تخنقه فى صوت حزين: - عباس حريقة (مواصلا) الله يرحمك ويغفر ليك يا عباس .... - أها والفراش ده وين؟ - فى خبر الوفاة ده قالوا يقام المأتم فى حى (الظافرين) -لا يوجد حى بهذا الإسم - فى عصر اليوم التالى يتناهى إلى سمعى صوت الأستاذ فؤاد وهو يصرخ فى ألم بينما يتصفح صفحة الوفيات بإحدى الجرائد: - ما معقول .. ما معقول .. الطاهر مصطفى مات. وكالعاده تسأله محاسن : - منو المات الجايبنو فى الجريدة؟ - ده كان الباشكاتب بتاعنا لما كنا فى (خشم القربة) قبل ما ينزل المعاش (ثم يردف فى أسى) دنيا فانية .. لا حول ولا قوة إلا بالله. عندما كنت أقابله فى مسجد الحى عند صلاة العشاء وما أن نخرج حتى يخبرنى بأنه ذاهب لأداء واجب العزاء فى فقيد صديق لديه .. مرات الحاج يوسف ومرات الكلاكلات ومرات وين ما بعرف ... كنت أقول فى داخلى: - والله فؤاد ده زول ما عادى .. معقول فى الزمن الصعب ده زول يكون مجامل كده!! وأكثر ما كان يدهشنى هى مقدرته على الجلوس فى (بيت البكا)، إذ أننى كثيراً ما كنت أسمع صوت محرك عربته وهو يهم (بتقريشها) فى المنزل فى وقت متأخر من الليل. منذ ثلاثة أيام لم أعد أستمع إلى (نشرة الوفيات) الصباحية من راديو جارى (فؤاد) بل لم أعد أستمع إلى صوته الحزين وهو يردد (لا حول ولا قوة إلا بالله) -البقاء لله -عندما يقوم بقراءة صفحة الوفيات كما أننى أفتقدته فى مسجد الحى الشئ الذى دعانى لسؤال (أم الأولاد): - فؤاد ده ليا كم يوم ما شايفو؟ - والله (محاسن) مرتو قالت ليا سافر (الدمازين) أسبوع لى بكاء بتاع واحد صاحبو هناك. بالأمس (الخميس) أصر الأولاد أن أخرج بهم كسرا للروتين لتناول العشاء بأحد الأندية المشهورة التى تقع على النيل .. جلسنا على أحد (الترابيز) .. على تربيزة لا تبعد عننا كثيرا كان يجلس فى مواجهتنا رجل وزوجته .. فاجأتنى أم الأولاد قائلة : - إنت الزول القاعد داااك ما فؤاد جارنا!! قمت بإرتداء نظارتى الطبية وتمعنت الرجل .. ياهو فؤاد ذاااتو!! كان فؤاد فى قمة الإنشراح والبهجة والسرور .. يتحدث فى صوت هامس وهو يحرك يديه فى رومانسية ... بعد أن أمضينا وقتا طيبا وفى طريقنا إلى باب الخروج كان لابد أن نمر حيث يجلس فؤاد الذى تفاجأ بوجودى : - شنو الحكاية يا فؤاد سألت منك قالو ليا فى (الدمازين). أجابنى هامساً وهو يعرفنى بزوجته الجديدة: - ما دى (الدمازين) ذاتا!!
---------
عمود ساخر سبيل
الأحد أكتوبر 17, 2010 1:17 pm من طرف خالد عبدالوهاب
» مكبات النفايات
الإثنين سبتمبر 27, 2010 4:07 pm من طرف بركات بدل
» الفقراء بالشرفة فى رمضان
الأحد أغسطس 15, 2010 9:10 am من طرف admin
» الأخ العزيز الدهاشة
الأحد أغسطس 15, 2010 9:06 am من طرف admin
» ابوعركى
الجمعة أبريل 02, 2010 4:46 pm من طرف admin
» الشهادة
الأحد مارس 28, 2010 5:12 pm من طرف admin
» عاجبني الكريم : احمد الفرجوني و الامين وعاصم البنا
الثلاثاء نوفمبر 03, 2009 12:02 am من طرف صلاح عبدالله ادريس
» new one
الثلاثاء يونيو 30, 2009 2:30 pm من طرف admin
» asim albana USA
الثلاثاء مايو 19, 2009 1:48 am من طرف محمد الشريف بدل